Tuesday, July 30, 2013

أنـا وفيليـب ومحمـد



لا أعرفه.. للمرة الأولى سمعت باسمه من فيليب.. كان عامنا الجامعي الأول..
 أمضيت مع فيليب أجمل أوقات يمكن أن تتاح لفتاة برفقة شاب رائع..
 فيليب كان حنوناً ودوداً، يبحث عن أي شيء وكل شيء قد يجعلني سعيدة..
 يقلد لي أصوات الحيوانات والطيور..
 مرة التفتُّ إليه وكنا نمشي معاً في الطريق، فانفلتت مني ضحكة عالية، عندما شاهدته يمشي على يديه..
 فيليب كان يأتي بالأعاجيب ليحتفظ بابتسامتي طوال الوقت.. دائماً يقول إنها وقود مكوكه الفضائي الذي ينوي أن يخترق به الفضاء..
فيليب كان يحلم كثيراً، وعلمني أن أحلم مثله..
 كان يرى الأشياء جميلة ومواتية، وعندما تعتريني نوبة من اليأس يقول لي: "أغمضي عينيك"..
 ثم يأخذني من يدي ويقول: "إذا يئست من مواصلة السير في العالم، فأغمضي عينيك هكذا، ثم أمسكي بيدي، ودعي لي مهمة قيادة الطريق، فإذا اشتقت إلى رؤية وجهي؛ افتحي عينيك"..
 ولم أكن أغلق عينيّ أبداً؛ لأني كنت دائماً أشتاق لرؤية وجه فيليب الضحوك المتفائل يقول لي: "تفاءلي".
فيليب كان حبيبي، وصديقي، وأسرتي التي أفتقدها كثيراً حيث منزلنا الجميل في الريف الإنجليزي..
فيليب كان زميلي، وأحياناً أستاذي حين تفوتني إحدى المحاضرات..
فيليب صار عالمي الذي هجرت العالم إليه.. أحلامي التي أنتظرها أن تتحقق، ولذتي التي لا تنتهي.
انتهى عامنا الجامعي الأول لا أعرف كيف!!..
 الوقت يمر سريعاً برفقته..
 لكن فيليب قبيل اختبارات نهاية العام، بدأ يتغير.. يعتريه الصمت أحايين كثيرة دون مبرر..
 أكثر من مرة كنت أنتهي من حديثي ثم أكتشف أن فيليب الجالس بجواري لم يكن يسمعني، ولم يكن أيضاً يقول لي: فيم يفكر؟!.
كان يطيل النظر إلى الأفق كأنه يحدق في شيء.. هل ثَمّ شيء في الأفق حقاً؟! شيء يراه ولا أراه؟!
كنت على يقين في تلك الآونة التي يتأمل فيها الأفق أنه لا يسمعني، ولا يشعر بأصابعي التي تتغلغل في شعره في محاولة لاستعادته من رحلته،
 بل ربما لا يشعر بوجودي أصلاً.
فيليب بدأ يختلق الأعذار ليتهرب من مرافقتي إلى مخدعي.. هل ثَم شيء طرأ عليّ؟!..
 ألست جميلة حقاً كما كان يردد دائماً؟!.. ألم أعد أعجبه؟!..
 هل ثَم فتاة أخرى؟!.. ولكن أين؟!..
 أسئلة لم أكن أطرحها على فيليب، لربما كان لا يريد إلإجابة عنها..
يعود في وقت متأخر من الليل.. يتسلل إلى غرفته حتى لا أشعر به..
 أكثر من ليلة لم يعد إلى مسكننا أصلاً..
 اعتاد أن يمضي بعض الليالي برفقة أصدقائه الطلاب العرب الذين تعرف عليهم أثناء تردده على مكتبة الجامعة.
تيقنت أن فيليب يتهرب من المبيت في فراشي عندما ألفيته يوصد باب غرفته عليه من الداخل..
 جُن جنوني..
 خِلت أن برفقته فتاة أخرى..
 طرقت عليه باب غرفته بقوة، لكن فيليب فتح لي الباب وهو يفرك بقايا النعاس في عينيه، ولم يكن ثَم أحد في الداخل..
 تعلل بأنه (نسي) وأوصد الباب،
 بيد أن نسيانه المتكرر أكد لي أن فيليب يتهرب من فراشي.
لا أنسى تلك الليلة التي انتظرته فيها حتى عاد في وقت متأخر..
 كنت في حاجة إليه..
 بدأت بغوايته حتى اقتدته إلى غرفتي..
 ليلتها ردد أكثر من مرة: "لا.. لا.. لا ينبغي أن نفعل ذلك.. لورا.. حرام.. حرام"..
 لم أكن أعرف تحديداً ماذا يعني بتلك الكلمة.. (حرام).. حسبتها كلمة عابرة، وأن فيليب معتكر المزاج لا أكثر..
 لكن فيليب بعد أن فرغ مني.. تمدد بجواري على الفراش يراقب سقف الغرفة.. فاغر العينين..
 هَمّ فجأة وهو يكتم فمه بيده..
 اندفع إلى المرحاض، وسمعت دوي قيئه عنيفاً كأنه يفرغ أحشاءه..
 هُرعت إليه، فوجدته جاثياً على ركبتيه يبكي..
 رفع رأسه.. تأملني بعينين دامعتين متوسلتين.. "لورا.. لا ينبغي أن نفعل ذلك ثانية.. ساعديني أرجوك".
ليس هذا فيليب الذي أعرفه..
 فيليب تغير كثيراً.. ولم يكن يجيب عن شيءٍ من أسئلتي..
 دائماً يؤكد لي أنه لا يزال يحبني، لكنه يفكر في (صيغة أخرى لعلاقتنا)..
 ولم أكن أعرف أي صيغة يقصد، ولا كيف تكون تلك الصيغة؟!.
رفقاء الدراسة الذين كانوا يختلسون النظر إلينا، بدؤوا يلاحظونني أجلس وحيدة كثيراً بجوار المقعد الفارغ الذي ينتظر معي عودة فيليب..
 فيليب الذي بدأ يمضي معظم وقته برفقة أصدقائه الشبان العرب..
 كنت أحاول الاختلاط بهم كلما شاهدته جالساً معهم على أمل استعادته، أو حتى البقاء بجواره، وإن لم يشعر بوجودي،
كان الشبان ودودين مع كثير من التحفظ..
 كانوا يتحاشون النظر إليّ.. كان أحدهم يخاطبني وهو ينظر في اتجاه آخر أو ينظر إلى الأرض، حتى أني كنت أظنه لا يخاطبني..
كان فيليب يلفت انتباهي:
-      لورا.. إنه يتحدث إليك..
-      ولكنه لا ينظر إلي.. هل أنا قبيحة إلى هذا الحد؟!
-      لا.. بل لأنك جميلة إلى هذا الحد!!
ويضحك فيليب، ويضحك الشبان.. وأنا لا أفهم شيئاً..
كانت تثور ثورتي،
 لكن فيليب بوداعته، أوضح لي أنهم مسلمون، وأن دينهم يأمرهم ألا يطيلوا النظر إلى النساء الأجنبيات، وأن هذا أحد الأشياء المحرمة عليهم.
تعجبت كثيراً من شأن هؤلاء.. تعجبت أكثر لشأن فيليب الذي بدا معتاداً على الشباب، كأنه واحد منهم.. حتى أنه طلب مني أن أتحفظ في ملابسي عندما أكون برفقتهم، حتى لا أسبب حرجاً للشبان الذين يتحاشون الاختلاط بالفتيات والنظر إليهن.
فيليب تغير بالفعل..
 كثيراً ما كنت ألمح في يديه بعض الكتب التي يدلف بها إلى غرفته سريعاً، ثم يمضي أوقاتاً طويلة في قراءتها..
 لم أكن أشك أنها تخص أصدقاءه العرب، الذين شاركوني قلب فيليب وعقله،
 ولولا إصراري على مشاركتهم فيليب، حتى وهو معهم، لما تركوا لي منه شيئاً.
بدأ يتسرب إلي يقين أن شيئاً خطيراً يدور..
 أن فيليب.. ربما.. ربما يفكر أن يعتنق دينهم..
 شواهد كثيرة كلها تؤكد ذلك..
 هجره رفقاء دراستنا، وملازمته هؤلاء الشبان..
 ابتعاده عني حتى وهو معي..
 عاداتهم ومعتقداتهم التي يتحدث عنها وكأنه أحدهم.. الكتب التي يتسلل بها..
 دخان البخور الشرقي الذي يتسرب من تحت باب غرفته الموصدة عليه كل ليلة..
 (الترانيم) العربية التي أسمعه يرددها في جوف الليل ثم يبكي بصوت مرتفع..
 نعم.. فيليب دخل دينهم.. (فيليب يضيع مني)!!
ذات صباح أفقت من نومي على طرقات فيليب القوية على باب غرفتي، وصياحه علي في الخارج..
- لورا.. افتحي.. افتحي سريعاً يا حبيبتي.
فيليب لم يعد يدخل علي غرفتي وأنا نائمة.. كان يتحاشى النظر إلي وأنا متخففة من ملابسي تماماً مثل رفاقه..
 كنت أتحفظ في ملابسي حتى لا أغضبه، كنت أخشى أن يأتي يوم يقرر فيه الاستقلال عن مسكننا.
ارتديت ثيابي التي يرتضيها فيليب.. فتحت الباب.. شاهدته يقف أمامي مرتعداً فرحاً خائفاً ملتمع العينين..
- ما الذي ألمّ بك؟
- رأيته..
- رأيت من؟ وأين؟
- الرسول يا لورا.. رأيت الرسول..
 -    فيليب.. أي رسول؟
 -    محمد.. رأيت سيدنا محمدًا.. حلمت به.. أنا مسلم يا لورا.. أنا مسلم.
صرخ وضحك وبكى، وأنا واقفة في ذهولي لم أزل من وقع الصاعقة..
 (سيده محمد)!!.. وفيليب مسلم.. قالها صراحة..
 كانت المرة الأولى التي أسمع فيها بهذا الاسم.. محمد..
 لم أكن أتوقع أنه سيصبح اسم الرجل الذي أحبه؛
 فقد أخبرني أنه لم يعد يرغب في اسم (فيليب)، وأنه يحب أن أناديه باسمه الجديد.. (محمد).
ولكنني أحببت فيليب.. محمد هذا لا أعرفه.. لم أحبه.. صرخت فيه:
- أنا لم أحب محمداً هذا ولا أعرفه.. أنا أحبك أنت.. أنت فيليب المسيحي..
نظر إلي نظرة باردة لم أرها في عينيه من قبل، وتمنيت أني لم أرها أبداً.. بدا واضحاً أنه لم يكن يود سماع ذلك مني..
- لورا.. أنا محمد.. محمد المسلم.. فيليب المسيحي أصبح ماضياً..
 أنا مسلم يا لورا وأتمنى أن تكوني مسلمة أيضاً.. لكنني سأترك لك الخيار..
موافقتي على وجود رسول الشبان العرب في حياتنا كانت بطاقة مرور لي إلى عالم فيليب الجديد..
 حقيقة لم أكن أحبه، ولم أكن أكرهه.. مشكلتي أني لم أكن أعرفه..
 فيليب الجميل كان يقدر هذا.. قال إنه لن يرغمني على الدخول معه في الإسلام، وإن دينه الجديد يسمح له بأن يتزوجني وأنا مسيحية..
 قال أيضاً إنه يتمنى أن أكون مسلمة؛ لأنه يريد أن أكون زوجته في الجنة.. وهذا لا يتسنى لي إلا إذا كنت مسلمة..
قال لي فيليب: "لا أتصور أنك لا تشاركينني أهم شعور في حياتي.. حب محمد"..
عندما قلت له إني أحب كل الأشياء التي يحبها، حتى رسوله محمد، قال لي: "ليس ذاك يا لورا.. يجب أن تكوني مسلمة حتى تستطيعي أن تحبي محمداً.. يجب أن تعرفي من يكون الرسول.. يجب أن نحب محمداً أكثر مما يحب كلانا الآخر.. أنا أحبك يا لورا.. لكنني أحب الرسول أكثر.. هذا هو الإسلام".
لم أكن أتصور أن أسمع من فيليب يوماً أنه يحب شيئاً أكثر مني..
 لكن شعوري بأنه لا يزال يحبني جعلني أوافق.. المهم في النهاية أن أكون مع فيليب..
 لا يهم.. فليحب العالم بأسره ما دام يحبني. 
محمد.. ما الذي يجعل الشبان العرب يحبون هذا الرجل هكذا، كما لو كان حياً يجلس بينهم ويتحدث إليهم..
 حتى فيليب أصبح يحبه كما لم يحب أحداً من قبل..
 يحبه أكثر مما يحب أبويه وأسرته.. أكثر مما يحبني أنا لورا.. لا أصدق!!.
كان علي أن أقبل.. ليكن فيليب مسلماً.. وليكن اسمه محمداً.. وليحب محمداً أكثر مني ومن أي شيء..
 كان علي أيضاً أن أوافق على طلب فيليب أن يتزوجني ونحن ما زلنا طالبين..
 فيليب قال إن صداقتنا محرمة في دينه الجديد.. وإن علينا الزواج إن أردنا الاستمرار معاً.. وما كنت لأرفض.
تزوجت فيليب على رغم معارضة أهلي.. استطعنا أن نعمل وندبر حياتنا..
 فيليب بدأ يطلب مني أشياء لم أعتدها.. طريقة لباسي مثلاً، واختلاطي بالآخرين..
 كان يقول: إن زوجات الرسول وبناته كن يلبسن ثياباً ضافية على أجسادهن، ويغطين وجوههن، ويخاطبن أصحاب الرسول فلا يرينهم ولا يراهن أصحاب الرسول..
 حاولت أن أقول له إنني مسيحية،
قال لي: "ولكنني مسلم.. إنني أغار عليك يا لورا"..
 أمر مدهش.. فيليب يغار، ويقولها صراحة..
مفردات جديدة بدأت أسمعها ولا أكاد أصدقها.. المدهش أكثر أني لم أعترض..
 المدهش أكثر وأكثر أنني لبيت كل ما طلب مني وما رغب..
 ثمة شيء داخلي كان يستجيب لكل ما يفعله بي فيليب وصاحبه (محمد)..
 فيليب لم يعد يتحدث عن رغبته الخاصة في شيء ما..
كل ما كان يطلب مني أن أفعله أو لا أفعله أشياء تتعلق بموافقة (الرسول) أو رفضه..
 كان يساورني شعور أنني سأعود يوماً إلى مسكننا فأجد فيليب جالساً يتحدث معه، على رغم علمي بموته من مئات السنين..
 لم أعد أستغرب شيئاً..
 إنه يدير حياتي مع فيليب من قبره، بل وحياة الشبان العرب، بل وملايين المسلمين الذي علمت أنهم يخضعون أنفسهم لرقابة ذاتية صارمة، ليتيقَّن أحدهم أنه لم يأت شيئاً يغضب الرسول، وأنه يفعل كل ما يرضيه عنه؛ لأن الرب سيرضى إذا رضي الرسول..
ملايين المسلمين يعتقدون ذلك..
 ملايين البشر يحبون رجلاً واحداً كل هذا الحب، ويتعلقون بحبه كطوق نجاة أتيح لغريق..
 ملايين البشر يتسابقون إلى التشبه برجل ولد وعاش ومات في صحراء العرب..
 ما الذي جعل أفكاره تلك تبرح صحراءها في ذلك الزمن القديم، وتنتقل آلاف الأميال حتى تقطع طول الأرض وعرضها، ثم تمتد عبر الأجيال يتناقلونها في تفاصيلها الدقيقة..
 حتى معاشرة فيليب إياي، كان يحرص على أن تكون أشبه بمعاشرة (محمد) لزوجاته.. طعامه.. شرابه.. حديثه.. علاقاته بالآخرين..
 حتى سلامه علي حال عودته إليّ.. كل شيء تغير.. أنا أيضاً بدأت أتغير.. محمد غير كل شيء..
كنت خائفة من المجهول الذي أرتاده مغمضة العينين،
 لا أعرف فيه سوى فيليب الذي يأخذني من يدي، فأتبعه إلى حيثما شاء..
كنت في حاجة إلى معرفة شيء عن ذلك المجهول. (محمد)..
 اسم وجدته أخيراً في ثنايا بعض كتبنا.. سيرته وشهادات عنه.. لأكثر من بروفيسور..
 كثيرون يرونه عبقرية نادرة..
 محمد فيلسوف العرب، الذي رسم لهم معالم المستقبل، ولم يحيدوا هم وغيرهم من المسلمين غير العرب عما رسمه لهم إلى الآن..
 صغارهم يرضعون حبه من أثدية أمهاتهم،
 ثم يتعهدهم الآباء كباراً بتعاليم الرجل الذي يصر المسلمون على أنه رسول وليس فيلسوفاً كما تقول بعض كتبنا..
 ما أدهشني أن الرجل كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، فأين تعلم رجل الصحراء الأميّ الفلسفة؟!..
أسئلة بدأت تجد طريقها للمرة الأولى إلى عقلي..
 محمد لم يكن بالنسبة إلي أكثر من قنطرة يجب أن أعبر عليها إن أردت أن أكون مع فيليب..
 ستار أسدل حول جسدي بل وحياتي كلها برغبة من فيليب الذي أحب الرجل حتى أشهر إسلامه، وسعى إلى تغيير اسمه رسمياً فأصبح (محمد شيرار).
محمد لم يعد مجرد أشياء تحدث من حولي وتحدث لي على رغم مني..
محمد بدأ يدير حواراً داخلي..
 من المؤكد أن رجل الصحراء الأمي لم يكن فيلسوفاً..
ومن المؤكد أيضاً أنه لم يكن رجلاً عادياً..


محمد بالنسبة إلى المسلمين ـ الذين أصبحت زوجة أحدهم ـ فلك تدور فيه حياتهم، يحبونه أكثر مما يحبون أنفسهم..
 طريق لا تحيد عنه خطاهم..
  أمنية أحدهم أن يقدم ما يرضي عنه (الرسول) في الحياة الآخرة، التي سيبعث الرب الناس إليها بعدما ينتهي العالم، حيث يكون أكثرهم حباً لمحمد واتّباعاً له أقربهم منه في تلك الحياة.
زوجي فيليب كان أحد هؤلاء الذين سيطرت عليهم الفكرة..
 الحياة مع محمد..
 الشبان العرب كذلك.. ملايين المسلمين يتملكهم ذلك الاعتقاد..
 ملايين المسلمين يعيشون على أمل لقاء محمد في الآخرة والسلام عليه والعيش إلى جواره.
وأنا.. هل سأكون معهم؟..
 هل سيفرض علي أن أعيش مع محمد في الحياة الآخرة كما فرض علي العيش معه في الدنيا في كل دقيقة من دقائق حياتنا التي نتنفس فيها هواء (محمد) الذي يملأ به فيليب بيتنا؟!..
لا.. فيليب قال إن ذلك لن يحدث.. لأنني ما زلت مسيحية..
 وجنة (محمد) لا يدخلها إلا المسلمون..
 يا إلهي.. ولكن فيليب سيكون معه..
هل يعني هذا أنني سأكون من دون فيليب في الحياة الآخرة؟!.
 هل حقاً سأكون وحدي؟!!..
 مع مَن؟!.. مع يسوع مثلاً؟!!..
 ولكن فيليب قال إن محمداً ويسوع أخَوان، وإنهم جميعاً سيكونون معاً..
 محمد وفيليب ويسوع..
 يا إلهي.. فأين أكون أنا؟
 هل ثَم حياة أخرى فعلاً؟!..
 هل ستنهض تلك العظام حقاً من رقادها القديم تحت التراب؟!..
يا إلهي.. اغفر لي.. لقد تعبت من التفكير.. تعبت من كل شيء.
بيد أن فيليب قطع علي أفكاري..
 فيليب قرر السفر مع وفد من جماعة حقوق الإنسان التي أصبح عضواً فيها إلى فلسطين، ليناهضوا اليهود في حربهم ضد مسلمي فلسطين..
 فيليب قال إن هذا (جهاد)، وإنه أكثر شيء يقربه من محمد أن يدافع عن المسلمين الذين وصفهم بأنهم (إخوانه)..
قال لي: "لا تخافي يا حبيبتي.. لن نكون أكثر من حائط بشري يحمي إخواننا المسلمين الضعفاء من اليهود..
 لن يتمكنوا من إيذائنا، فالعالم كله يشاهد.. إن شاء الله سأعود"..
دعوت الإله أن يعود..
 دعوت إلهي، إله يسوع.. وحتى إله محمد وفيليب..
 ودعوت الإله الواحد الذي حدثني عنه فيليب..
إله محمد ويسوع وفيليب والشبان العرب..
 دعوت كثيراً أن يعود فيليب.. لكن فيليب لم يعد..
 إحدى رصاصات الجيش الإسرائيلي أخطأت طريقها فسكنت صدره.. تلك هي النهاية إذن؟
 رصاصة في صدر فيليب، وامرأة تجلس في انتظار غائبها الذي لن يعود؟
 كان يلزمني وقت كبير لأصدق أن فيليب مات وأن كل شيء انتهى..
 تبًّا لتلك الحياة التي نعيشها،
 هل تسدل الستار على مشاهد حياتي أنا وفيليب رصاصة انطلقت بالخطأ من فوهة بندقية أحدهم؟!
أين عدالتك أيتها الأرض؟ أم أنه ليس ثَم عدالة فوقك؟
 إذن أنا في انتظار عدالتك أيتها السماء؟ ولكن متى؟


 فيليب مات ولن يعود، وسأظل في هذا الكون بمفردي حتى.. حتى ماذا؟
 هل ثم سبيل حقا إلى رؤية فيليب، هل ثم حياة أخرى أعيشها معه؟
 با إلهي أدركني، إن عقلي يتمزق..


 رصاصة أخطأت طريقها تفعل هذا كله بحياتي؟ لا أكاد أصدق!!..
 لكنني كنت أعلم أن فيليب، زوجي المسلم، لم يخطئ طريقه إليها..
فيليب دائماً كان يتمنى أن يموت مجاهداً في سبيل الإسلام ليكون (شهيداً)..
 وشهيداً هذه عند المسلمين تعني أنه مع محمد.. (محمد) حبيب فيليب حبيبي وزوجي..
(محمد) الذكرى الباقية لي من فيليب..
 محمد الذي لم أتصور أنني يوماً ما سأحبه، ليس فقط لأنه ذكرى فيليب كما كنت أظن بادئ الأمر، عندما قررت الانضمام إلى الشبان والفتيان العرب المسلمين لأكون بينهم مكان فيليب، بل لأنه يستحق ذلك..

 
 نعم أحب محمداً فعلاً.. أحبه صدقاً، وليس من أجل فيليب..
 أحبه لأنه كان حنوناً، ولأنه كان رحيماً، ولأنه تعب كثيراً ليملأ قلوب العالم بحب الرب..
 الرب الواحد.. رب يسوع ومحمد وفيليب والشبان العرب وملايين المسلمين..
 نعم أحبه لأنه أوذي كثيراً وأُخرج من بلده وعاش غريباً يدعو إلى دين الرب (الإسلام)..


 يكابد الجوع والخوف على نفسه وأهله وأصحابه ويخوض حروباً مع أعداء الرب..
 يموت أصحابه حوله من أجل دعوته ثم يموت هو وتبقى دعوته،
 ويبقى حبه في قلوب أصحابه تتواصى به الأجيال..


حب (محمد) الذي مس قلب فيليب فظل يركض بقوة إليه حتى سقط مغمض العينين باسماً مستبشراً بلقائه..
 حب محمد الذي مس قلبي وقلوب هؤلاء الذين أسير بينهم الآن في شوارع لندن، نهتف باسم محمد ضد ذلك الأخرق الذي أساء برسومه الساخرة إلى الرسول (محمد).. الذي لا يعرفه، ولو عرفه لما أساء إليه..

 
الآن أمشي وسط الشبان والفتيات العرب، على الطريق نفسها التي ينتظر في آخرها (محمد) واقفاً عند حوض مائه العذب..
 يسقي منه بيديه الطيبتين الحانيتين النورانيتين أحبابه وأصحابه الذين رضي الرب عنهم؛ لأنهم أحباب وأصحاب محمد..
 على الطريق نفسها التي بدأ يدخلني اليقين الذي دخل قلب فيليب أنها تفضي إلى الحياة الآخرة؛
 لأكون زوجة فيليب في الجنة كما كان يحلم ويدعو دائماً أن نكون معاً.. أنا.. وفيليب.. ومحمد.

No comments:

Post a Comment