Friday, June 21, 2013

القلائد الفاخرة في أقوال الشعراء ضفة الأدب العربي

من كتاب لباب الآداب


لإمام الهمام أبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي النيسابوري عليه الرحمة والرضوان

بسم الله الرحمن الرحيم


وبه ثقتي


في عيون الأشعار


وأحاسنها وفصوصها وفرائدها


قال مؤلف الكتاب: قد جعلت هذا القسم مشتملا على لب اللب، وناظر العين، وسويداء القلب، ونقش الفص، ونكتة العلق، والمختص من الأمثال السائرة، والمعاني النادرة، والألفاظ الفاخرة، في الفنون المتغايرة، لسحرة الشعراء، وأمراء الكلام الحر، من لدن امرىء القيس ومن يليه من فحول الجاهليين، ومن يتلوهم من مفلقي المخضرمين، وهلم جرا إلى أعيان الإسلاميين، إلى آحاد المحدثين والمولدين، إلى أفراد العصريين، والذين أسعد تاريخ المجد، وموسم الفضل، وعصر الكلام المحض، من أيام مولانا الملك السيد المؤيد العالم العادل، ولي النعم خوارزم شاه، أدام الله تعالى أيامه وسلطانه، وحرس عزه ومكانه، وقديما قيل: إن الرجل يكتب أحسن ما يسمع، ويحفظ أحسن ما يكتب، ويحكي أحسن ما يحفظ. وهذه حالي فيما أورد لكل من المذكورين على اختلاف طبقاتهم وتباين درجاتهم، من أمير شعره، وواسطة عقده، وفريد قلادته، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.


أقوال الشعراء


امرؤ القيس بن حجر الكندي


هو أمير الشعراء بشهادة خير الأنبياء محمد المصطفى صلوات الله عليه وعلى اله الطيبين الأخيار، وذلك أنه ذكر عنده يوما فقال صلى الله عليه وسلم: " ذاك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة يجيء يوم القيامة وبيده لواء الشعراء يقودهم إلى النار " . فيروى أن كلا من لبيد وحسان بن ثابت قال: ليت هذه المقالة في وأنا المدهدي فيها، فيقال: إن أمير الشعراء قوله من قصيدة:


البر أنجح ما طلبت به ... والبز خير حقيبة الرجل


ومن أمثاله السائرة قوله في القناعة والرضى باليسير عند تعذر الكثير:


إذا ما لم تكن إبل فمعزى ... كأن قرون جلتها العصي


فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وري


ومما يضاد هذه الحالة من بعد الهمة والسمو إلى معالي الأمور قوله:


فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال


ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يحرك المجد المؤثل أمثالي


ومن أمثاله السائرة:


وقاهم جدهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما حل العقاب


وقوله:


أراهن لا يحببن من قل ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوسا


ألا إن بعد العدم للمرء قنوة ... وبعد المشيب طول عمر وملبسا


وقوله:


وقد طوفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب


وقوله:


إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ... فليس على شيء سواه بخزان


وقوله:


فإنك لم يفخر عليك كعاجز ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب


وقوله:


وجرح اللسان كجرح اليد


وقوله:


إن الشفاء على الأشقين مصبوب


ومن قلائده الفاخرة قوله في وصف الفرس، ولم يسبق إليه ولم يلحق فيه:



مكر مفرز مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل


له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل


وقوله في طول الليل واستعارة أوصافه من الجمل الناهض بالحمل الثقيل:

وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل


ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجمل

وإن كنت قد ساءتك مني خليقة ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار فلب مقتل

لو قاله محدث في الزمان الرقيق لاستظرف ذلك منه، فكيف في مثل ذلك الزمان! وهو أول من شبه شيئين بشيئين في بيت واحد، حيث قال في وصف العقاب:

كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والخشف البالي

No comments:

Post a Comment