Tuesday, July 30, 2013

غرق الصمت



لأنَّ الأشياء بضدها تظهر، يغريني الضجيج - السائد الآن - بالحديث عن الصمت، فلم تعُدْ لغةُ الحديث كما كانت، ولم تعُد لغة الحوار كما كانت، حتى كادت الأذن ترعد من ضجيجٍ أضحى سمة، ومن عويلٍ صار نهج حوار، فتاهت الأفكار وسط طوفان الكلام، ولم تعُدِ القدرة على الإصغاء ذات مكان، ولا القدرة على الصمت ذات وجود، مع أنَّ شطآن السلامة غالبًا ما تُدرَك في ملازمة الصمت، عندما يكون الصمت أقوى لغة، فعقولنا قادرة على التمييز، وقراءة الوجوه، والغوص بين ما نسمعه من كلمات، وكأنَّ الإنسان يخشى أن يوصم بالخرس إن لم يتحدَّثْ، فصارت تطير من فمِه الكلماتُ بسرعة تتجاوز قدرة الاستماع!

إنَّ الحديث مسؤوليَّة جسيمة، وقد أخبرنا المعصوم - صلى الله عليه وسلم - بخطورة ألسنتنا؛ فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أخبِرْني بعمل يدخلني الجنة، ويُبعِدني عن النار، قال: ((لقد سألتَ عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على من يسَّره الله - تعالى - عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت))، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النَّارَ، وصلاة الرجل في جوف الليل))، ثم تلا قوله - تعالى -: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16] حتى بلغ: ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أُخبِرُك برأس الأمرِ وعمودِه وذِروة سنامه؟))، قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: ((رأسُ الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاة، وذِروة سنامِه الجهادُ في سبيل الله))، ثم قال:
((ألا أخبرك بمِلاكِ ذلك كله؟)) قلت: بلى يا رسول الله، فأخَذ بلسانه وقال: ((كُفَّ عليك هذا))، قلتُ: يا نبي الله، وإنَّا لمؤاخَذون بما نتكلَّم به؟ قال: ((ثكِلَتْك أمُّك يا معاذ، وهل يكب الناسَ في النار على وجوهِهم - أو قال: على مناخِرِهم - إلا حصائدُ ألسنتهم))؛ رواه الترمذي.

حرِيٌّ بنا ألا نغرق في أتُّون الضجيج؛ حيث إنَّ عقولنا تعمل بصورة أفضل وأكثر إيجابية في رحاب الهدوء، فصمتنا يعطي عقولَنا فرصة التفكير والتأمُّل، فلا ننطق إلا حقًّا وصدقًا وعدلاً كما أمرنا ديننُا الحنيف، وكما أرشدنا الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم.

اللهم اجعَلْنا ممن يستمعون القولَ فيتبعون أحسنه، وصلِّ اللَّهم وسلِّم وبارِكْ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبِه ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

No comments:

Post a Comment