Monday, July 29, 2013

أين أنا بين أهل الدنيا وأهل الآخرة


(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ*أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)   ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ـ (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) ـ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)
حب الدنيا والاطمئنان لها ونسيان الآخرة يترتب عليه كسب  يستحق به صاحبه دخول النار
إن طالب الدنيا لا يهمه إلا قضاء شهواته ولذاته والوصول إلى أطماعه دون قيود ولا ضوابط فهو وراء المرأة والخمر والكسب الحرام 00000 إلخ
  ـ روى أن رسول الله r مر على شاة ميتة فقال " أترون هذه الشاة هينة على أهلها؟ قالوا: من هونها ألقوها قال : " والذي نفسي بيده الدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " { كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل}  ـ وقال النبي r { الدنيا سجن المؤمن وجنةالكافر} ـ وقوله {ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه فياليم، فلينظر بم يرجع}ـ {اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً،ولا يزدادون من الله إلا بعداً}
ـ والدنيا والآخرة عبارة عن حالتين القريب منك الداني يسمى الدنيا ، والمتراخي  المتأخر يسمى الآخرة
حياة الأشقياء في الدنيا:
في شقاء وتعب وصدورهم ضيقة لأن قلوبهم لم تخلص إلى اليقين والهدى وإن تنعم ظاهرهم فلبسوا ما شاؤوا وأكلوا ما شاؤوا وسكنوا حيث شاؤوا... قال تعالى:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةًضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}
أولا : مظاهر حب الدنيا والبعد عن الآخرة :
 (1)الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات: ومن العصاة من يرتكب معصية يصر عليها ومنهم من يرتكب أنواعا من المعاصي, وكثرة الوقوع فيالمعصية يؤدي إلى تحولها عادة مألوفة ثم يزول قبحها من القلب تدريجا حتى يقع العاصيفي المجاهرة بها ويدخل في حديث:( كل أمتي معافي إلا المجاهرين, وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا, وكذا, وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه البخاري.
 (2) الشعور بقسوة القلب وخشونته: حتى ليحس الإنسان أن قلبه قد انقلب حجرا صلدا لا يشرح منه شيء ولا يتأثر بشيء, والله جل وعلا يقول: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة } وصاحب القلب القاسي لا تؤثر فيه موعظة الموت ولا ؤية الأموات ولا الجنائز, وربما حمل الجنازة بنفسه, وواراها بالتراب, ولكن سيره بين القبور كسيرة بين الأحجار.
  (3)عدم إتقان العبادات: ومن ذلك شرود الذهن ثناء الصلاة, وتلاوة القرآن والأدعية ونحوها, وعدم التدبر والتفكر في معاني الأذكار, فيقرؤها بطريقة رتيبة مملة هذا إذا حافظ عليها, ولو اعتاد أن يدعو بدعاء معين في وقت معين أتت به السنة فإنه لا يفكر في معاني هذا الدعاء: (.... لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه )  رواه الترمذي.
 (4)  التكاسل عن الطاعاتوالعبادات واضعاتها : وإذا أداهما فإنما هي حركات جوفاء لا روح فيها والعياذ بالله, وقد وصف الله-عز وجل- المنافقين بقوله:{ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى } ويدخل في ذلك عدم الاكتراث لفوات مواسم الخير وأوقات العبادة وهذا يدل على عدم اهتمام الشخص بتحصيل الأجر. فقد يؤخر الحج وهو قادر ويتفارط الغزو وهو قاعد, ويتأخر عن صلاة الجماعة ثم عن صلاة الجمعة وقد قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ( لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول يخلفهم الله في النار) رواه أبو داود. ومثل هذا لا يشعر بتأنيب الضمير إذا نام عن الصلاة المكتوبة, وكذا لو فاته سنة راتبة أو ورد من أوراده فإنه لا يرغب في قضائه ولا تعويض ما فاته, وكذا يتعمد تفويت كل ما هو سنة أو من فروض الكفاية, فربما لا يشهد صلاة العيد(مع قول بعض أهل العلم بوجوب شهودها) ولا يصلي الكسوف والخسوف, ولا يتهم بحضور الجنازة ولا الصلاة عليها, فهو راغب عن الأجر, مستغن عنه على النقيض ممن وصفهم الله بقوله:  { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } ومن مظاهر التكاسل في الطاعات, التكاسل عن فعل السنن الرواتب, وقيام الليل, والتبكير إلى المساجد وسائر النوافل فمثلا صلاة الضحى لا تخطر له ببال فضلا عن ركعتي التوبة وصلاة الاستخارة.
(5)ضيق الصدر وتغير المزاج وانحباس الطبع: حتى كأن على الإنسان ثقلاً كبيراً ينوء به ، فيصبح سريع التضجر والتأفف من أدنى شيء ، ويشعر بالضيق من تصرفات الناس حوله وتذهب سماحة نفسه ، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، الإيمان بقوله : ( الإيمان : الصبر والسماحة )
6- عدم التأثر بآيات القرآن : لا بوعده ولا بوعيده ولا بأمره ولا نهيه ولا في وصفه للقيامة ، فضعيف الإيمان يمل من سماع القرآن ، ولا تطيق نفسه مواصلة قراءته فكلما فتح المصحف كاد أن يغلقه .
7- الغفلة عن الله عز وجل في ذكره ودعائه سبحانه وتعالى : فيثقل الذكر على الذاكر ، وإذا رفع يده للدعاء سرعان ما يقبضهما ويمضي وقد وصف الله المنافقين بقوله : ( ولا يذكرون الله إلا قليلاً )
8- ومن مظاهر ضعف الإيمان : عدم الغضب إذا انتهكت محارم الله عز وجل لأن لهب الغيرة في القلب قد انطفأ فتعطلت الجوارح عن الإنكار فلا يأمر صاحبه بمعروف ولا ينهى عن منكر ولا يتمعر وجهه قط في الله عز وجل ، والرسول صلى الله عليه وسلم يصف هذا القلب المصاب بالضعف بقوله في الحديث الصحيح : ( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها } أي : دخلت فيه دخولاً تاماً { نكت فيه نكتة سوداء } أي : نقط فيه نقطة            { حتى يصل الأمر إلى أن يصبح كما أخبر عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث : ( أسود مربادا } بياض يسير يخالطه السواد { كالكوز مجخياً } مائلاً منكوساً { لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه )
9- حب الظهور: الرغبة في الرئاسة والإمارة وعدم تقدير المسؤولية والخطر ، وهذا الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقوله : ( إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئس الفاطمة )  ( قوله : نعم المرضعة أي أولها لأن معها المال والجاه واللذات ، وقوله : بئس الفاطمة أي : آخرها لأن معه القتل والعزل والمطالبة بالتبعات يوم القيامة )
10- محبة تصدر المجالس : والاستئثار بالكلام وفرض الاستماع على الآخرين وأن يكون الأمر له ، وصدور المجالس هي المحاريب التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( اتقوا هذه المذابح - يعني المحاريب - )
 11- محبة أن يقوم له الناس إذا دخل عليهم : لإشباع حب التعاظم في نفسه المريضة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سره أن يمثل } أي ينتصف ويقوم { له عباد الله قياماً فليتبوأ بيتاً من النار ) رواه البخاري
12- الشح والبخل : ولقد مدح الله الأنصار في كتابه فقال : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) وبين أن المفلحين هم الذين وقوا شح أنفسهم ولا شك أن ضعف الإيمان يولد الشح بل قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً ) أما خطورة الشح وآثاره على النفس فقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
( إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح ، أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا )
13- أن يقول الإنسان ما لا يفعل : قال الله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )
14- احتقار المعروف : وعدم الاهتمام بالحسنات الصغيرة وقد علمنا صلى الله عليه وسلم أن لا نكون كذلك فقد روى الإمام أحمد رحمه الله عن أبي جري الهجيمي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت يا رسول الله ؟ إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئاً ينفعنا الله تبارك وتعالى به فقال : ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي ، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسطاً )
15- عدم الاهتمام بقضايا المسلمين ولا التفاعل معها بدعاء ولا صدقة ولا إعانة : فهو بارد الإحساس تجاه ما يصيب إخوانه في بقاع العالم من تسلط العدو والقهر والاضطهاد والكوارث ، فيكتفي بسلامة نفسه ، وهذا نتيجة ضعف الإيمان ، فإن المؤمن بخلاف ذلك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس )
16- الفزع والخوف عند نزول المصيبة أو حدوث مشكلة : فتراه مرتعد الفرائص ، مختل التوازن ، شارد الذهن ، شاخص البصر ، يحار في أمره عندما يصاب بملمة أو بلية فتنغلق في عينيه المخارج وتركبه الهموم فلا يستطيع مواجهة الواقع بجنان ثابت ، وقلب قوي وهذا كله بسبب ضعف إيمانه ، ولو كان إيمانه قوياً لكان ثابتاً ، ولواجه أعظم الملمات وأقسى البليات بقوة وثبات .
17- التعلق بالدنيا ، والشغف بها ، والاسترواح إليها : فيتعلق القلب بالدنيا إلى درجة يحس صاحبه بالألم إذا فاته شيء من حظوظها كالمال والجاه والمنصب والمسكن ، ويعتبر نفسه مغبوناً سيء الحظ لأنه لم ينل ما ناله غيره ، ويحس بألم وانقباض أعظم إذا رأى أخاه المسلم قد نال بعض ما فاته هو من حظوظ الدنيا ، وقد يحسده ، ويتمنى زوال النعمة عنه ، وهذا ينافي الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد )
18- المغالاة في الاهتمام بالنفس مأكلاً ومشرباً وملبساً ومسكناً ومركباً : فتجده يهتم بالكماليات اهتماماً بالغاً ، فينمق هندامه ويجهد نفسه بشراء الرقيق من اللباس ويزوق مسكنه وينفق الأموال والأوقات في هذه التحسينات ، وهي مما لا ضرورة له ولا حاجة - مع أن من إخوانه المسلمين من هم في أشد الحاجة لهذه الأموال - ويعمل هذا كله حتى يغرق في التنعيم والترفه المنهي عنه كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأوصاه فقال : ( إياك والتنعيم ، فإن عباد الله ليسو بالمتنعمين )
ثانياً : أسباب ضعف الإيمان حب الدنيا والبعد عن الآخرة :
1- الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فترة طويلة : وهذا مدعاة لضعف الإيمان في النفس ، يقول الله عز وجل :  ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ). فدلت الآية الكريمة على أن : طول الوقت في البعد عن الأجواء الإيمانية مدعاة لضعف الإيمان في القلب ، فمثلاً : الشخص الذي يبتعد عن إخوانه في الله لفترة طويلة لسفر أو وظيفة ونحو ذلك فإنه يفتقد الجو الإيماني الذي كان يتنعم في ظلاله ، ويستمد منه قوة قلبه والمؤمن قليل بنفسه كثير بإخوانه ، يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى : ( إخواننا أغلى عندنا من أهلينا فأهلونا يذكروننا الدنيا ، وإخواننا يذكروننا بالآخرة )
2- الابتعاد عن القدوة الصالحة : فالشخص الذي يتعلم على يدي رجل صالح يجمع بين العلم النافع والعمل الصالح وقوة الإيمان ، يتعاهده ويحذيه مما عنده من العلم والأخلاق والفضائل ، لو ابتعد عنه فترة من الزمن فإن المتعلم يحس بقسوة في قلبه ، ولذلك لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووري التراب قال الصحابة : ( فأنكرنا قلوبنا ) ، وأصابتهم وحشة لأن المربي والمعلم والقدوة عليه الصلاة والسلام قد مات ، وجاء وصفهم أيضاً في بعض الآثار
 ( كالغنم في الليلة الشاتية المطيرة ) ولكنه عليه الصلاة والسلام ترك فيمن ترك وراءه جبالاً كل منهم يصلح للخلافة وصار بعضهم لبعض قدوة ، أما اليوم فالمسلم في أشد الحاجة إلى قدوة يكون قريباً منه .
3- الابتعاد عن طلب العلم الشرعي : والاتصال بكتب السلف والكتب الإيمانية التي تحيي القلب ، فهناك أنواع من الكتب يحس القارئ بأنها تستثير في قلبه الإيمان ، وتحرك الدوافع الإيمانية الكامنة في نفسه وعلى رأسها كتاب الله تعالى وكتب الحديث ثم كتب العلماء المجيدين في الرقائق والوعظ والذين يحسنون عرض العقيدة بطريقة تحيي القلب .
4- وجود الإنسان المسلم في وسط يعج بالمعاصي : فهذا يتباهى بمعصية ارتكبها وآخر يترنم بألحان أغنية وكلماتها وثالث يدخن ورابع يبسط مجلة ماجنة وخامس لسانه منطلق باللعن والسباب والشتائم وهكذا ، أما القيل والقال والغيبة والنميمة وأخبار المباريات فمما لا يحصى كثرة .
5- الإغراق في الاشتغال بالدنيا حتى يصبح القلب عبداً لها :الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( تعس عبد الدينار ، وعبد الدرهم ) . ويقول عليه الصلاة والسلام : ( إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا مثل زاد الراكب ) يعني الشيء اليسير الذي يبلغه المقصود . وهذه الظاهرة واضحة في هذه الأيام التي عم فيها الطمع المادي والجشع في الازدياد من حطام الدنيا وصار الناس يركضون وراء التجارات والصناعات والمساهمات وهذا مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل قال : إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون إليه ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب )
6- الانشغال بالمال والزوجة والأولاد:
يقول الله عز وجل : ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ).
ويقول عز وجل : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) ومعنى هذه الآية أن حب هذه الأشياء وفي مقدمتها النساء والبنون إذا كان مقدماً على طاعة الله ورسوله فإنه مستقبح مذموم صاحبه ، أما إن كان حب ذلك على وجهه الشرعي المعين على طاعة الله فهو محمود صاحبه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( حبب إليّ من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة ).وكثير من الناس ينساق وراء الزوجة في المحرمات وينساق وراء الأولاد منشغلاً عن طاعة الله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد محزنة مجبنة مجهلة مبخلة )
7- طول الأمل : قال الله تعالى : ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) وقال علي رضي الله عنه :
   ( إن أخوف ما أخاف عليكم إتباع الهوى وطول الأمل فأما إتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة ) .وجاء في الأثر : ( أربعة من الشقاء جمود العين وقسوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا ) " ويتولد من طول الأمل الكسل عن الطاعة والتسويف والرغبة في الدنيا والنسيان للآخرة والقسوة في القلب لأن رقته وصفاءه إنما يقع بتذكير الموت والقبر والثواب والعقاب وأهوال القيامة كما قال تعالى : ( فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ) وقيل : من قصر أمله قل همه وتنور قلبه لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة … "
8-  قسوة القلب : ( الإفراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة ، فكثرة الأكل تبلد الذهن وتثقل البدن عن طاعة الرحمن وتغذي مجاري الشيطان في الإنسان وكما قيل : " من أكل كثيراً شرب كثيراً فنام كثيراً وخسر أجراً كبيراً " فالإفراط في الكلام يقسي القلب ، والإفراط في مخالطة الناس تحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها والنظر في تدبير أمرها ، وكثرة الضحك تقضي على مادة الحياة في القلب فيموت ، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ( لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب )
ثالثا :علاج حب الدنيا والبعد عن الآخرة :
1- تدبر القرآن العظيم الذي أنزله الله عز وجل تبياناً لكل شيء ونوراً يهدي به سبحانه من شاء من عباده ، ولا شك أن فيه علاجاً عظيماً ودواء فعالاً قال الله عز وجل : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) أما طريقة العلاج فهي التفكر والتدبر . ( وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتدبر كتاب الله ويردده وهو قائم بالليل ، حتى إنه في إحدى الليالي قام يردد آية واحدة من كتاب الله ، وهو يصلي لم يجاوزها حتى أصبح وهي قوله تعالى : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }
2- استشعار عظمة الله عز وجل ، ومعرفة أسمائه وصفاته ، والتدبر فيها ، وعقل معانيها ، واستقرار هذا الشعور في القلب وسريانه إلى الجوارح لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب فهو ملكها وسيدها وهي بمثابة جنوده وأتباعه فإذا صلح صلحت وإذا فسد فسدت .
3- طلب العلم الشرعي : وهو العلم الذي يؤدي تحصيله إلى خشية الله وزيادة الإيمان به عز وجل كما قال الله تعالى :
 ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ) فلا يستوي في الإيمان الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، فكيف يستوي من يعلم تفاصيل الشريعة ومعنى الشهادتين ومقتضياتهما وما بعد الموت من فتنة القبر وأهوال المحشر ومواقف القيامة ونعيم الجنة وعذاب النار وحكمة الشريعة في أحكام الحلال والحرام وتفصيل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك من أنواع العلم كيف يستوي هذا في الإيمان ومن هو جاهل بالدين وأحكامه وما جاءت به الشريعة من أمور الغيب ، حظه من الدين التقليد وبضاعته من العلم مزجاة ، ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .
4- لزوم حلق الذكر وهو يؤدي إلى زيادة الإيمان لعدة أسباب منها ما يحصل فيها من ذكر الله ، وغشيان الرحمة ، ونزول السكينة ، وحف الملائكة للذاكرين ، وذكر الله لهم في الملأ الأعلى ، ومباهاته بهم الملائكة ، ومغفرته لذنوبهم ، كما جاء في الأحاديث الصحيحة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده )
5- الاستكثار من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها، وهذا من أعظم أسباب العلاج وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير ، وقد ضرب الصديق في ذلك مثلاً عظيماً لما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ، أصحابه ( من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر أنا ، قال فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر أنا ، قال، فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ، قال أبو بكر أنا ، قال فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر أنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة )
6- تنويع العبادات : من رحمة الله وحكمته أن نوع علينا العبادات فمنها ما يكون بالبدن كالصلاة ومنها ما يكون بالمال كالزكاة ومنها ما يكون بهما معاً كالحج ومنها ما هو باللسان كالذكر والدعاء وحتى النوع الواحد ينقسم إلى فرائض وسنن مستحبة والفرائض تتنوع وكذلك السنن مثل الصلاة فيها رواتب ثنتي عشرة ركعة في اليوم ومنها ما هو أقل منزلة كالأربع قبل العصر وصلاة الضحى ومنها ما هو أعلى كصلاة الليل .
7- الخوف من سوء الخاتمة ، لأنه يدفع المسلم إلى الطاعة ويجدد الإيمان في القلب ، أما سوء الخاتمة فأسبابها كثيرة منها : ضعف الإيمان والانهماك في المعاصي وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك صوراً مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ - أي يطعن - بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه - أي يشربه في تمهل ويتجرعه- في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً )
8- الإكثار من ذكر الموت : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أكثروا من ذكر هاذم اللذات يعني الموت )  وتذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ولا يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه ومن أعظم ما يذكر بالموت زيارة القبور ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزيارتها فقال : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها فإنها ترق القلب ، وتدمع العين ، وتذكر الآخرة ، ولا تقولوا هجراً )
 9- التفاعل مع الآيات الكونية روى البخاري ومسلم وغيرهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه ) فقالت عائشة : يا رسول الله ، أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية ، فقال : ( يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا : ( هذا عارض ممطرنا )
10- التفكر في حقارة الدنيا حتى يزول التعلق بها من قلب العبد قال الله تعالى :( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلاً ، فانظر ما يخرج من ابن آدم وإن قزحه وملحه ، قد علم إلى ما يصير ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
 ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو علماً أو متعلماً )                     
11 -  ومحاسبة النفس مهمة في تجديد الإيمان يقول جل وعلا : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " ويقول الحسن لا تلقى المؤمن إلا وهو يحاسب نفسه، وقال ميمون بن مهران إن التقي أشد محاسبة لنفسه من شريك شحيح . وقال ابن القيم رحمه الله : وهلاك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها وإتباع هواها .
12 - دعاء الله عز وجل من أقوى الأسباب التي ينبغي على العبد أن يبذلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) . اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجدد الإيمان في قلوبنا ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

No comments:

Post a Comment