تناولنا في مقال سابق جوانب من وسطية الأمة الإسلامية، وأكدنا أنه لا وسطية إلا بالمحافظة على العمل بهدي خاتم النبيّـين صلى الله عليه وسلم والاستقامة على سُنّـته.. وأي انحراف عن هذه الجادّة، هو انحراف عن مسار الأمة الوسط، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110].
وفي هذا المقام يسعنا أن نلقي الضوء على الأمة الخيّـرة التي تشهد على الناس جميعًا، فتـقيم بينهم العدل والقسط، وتضع لهم الموازين والقيم، وتبدي فيهم رأيها، فيكون هو الرأي المعتمد، وتـزن قيمهم وتصوّراتهم وتقاليدهم وشعائرهم، فتفصل في الأمر، وتقول: هذا حق، وهذا باطل.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقرّر لها موازينها وقيمها، ويحكم على أعمالها وتقاليدها، ويزن ما يصدر عنها، ويشهد عليها، ويقول الكلمة الأخيرة.
والتعبير بكلمة «أُخْرِجَتْ» يلفت النظر، وهو يكاد يشي بالقدرة اللطيفة، تُخرج هذه الأمة إخراجًا، وتدفعها إلى الظهور دفعًا من ظلمات الغيب، ومن وراء الستار السرمدي الذي لا يعلم ما وراءه إلا الله تعالى. إنها كلمة تصوّر حركة خفيفة المسرى، لطيفة الدبيب.. حركة تُخرج على مسرح الوجود أمّـةً وسطًا، ذات دور خاص، لها مقام خاص، ولها حساب خاص، وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة الإسلامية، خير الأمم، لتعرف حقيقتها وقيمتها، وتعرف أنها «أُخْرِجَتْ» لتكون طليعة، ولتكون لها القيادة، بما أنها خير أمّة، والله عزّ وجلّ يريد أن تكون القيادة للخير لا للشرّ في هذه الحياة. ومن ثم لا ينبغي لخير أمّـة أن تـتلقّى من غيرها من أمم الأرض قاطبة، وإنما ينبغي دائمًا أن تعطي الأمم الأخرى مما عرفـته من كتاب ربّـها، وسُنّـة نبيّـها؛ من الاعتقاد الصحيح، والتصوّر الصحيح، والنظام الصحيح، والخُلق الصحيح، والعلم الصحيح، هذا واجب خير الأمم، يحتّـمه عليها مكانها القيادي، وتحتّـمه عليها غاية وجودها، كما أن من واجبها أن تكون في الطليعة دائمًا، وفي مركز القيادة دائمًا، ولهذا المركز تبعاته، فهو لا يؤخذ ادعاءً، ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلاً له.
وأمتنا بتصوّرها الاعتقادي، وبنظامها الاجتماعي أهلٌ له، فبقي عليها أن تكون بتـقدّمها العلمي، وبعمارتها للأرض -قيامًا بحق الخلافة- أهلاً له كذلك، وبهذا يتبيّـن أن منهج هذه الأمة يطالبها بالشيء الكثير، ويدفعها إلى السبق في كل مجال، لو أنها تـتبعه وتلـتزم به، وتدرك مقـتضياته وتـكاليفه.
وفي قوله جلّ شأنه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّـةٍ} ثـلاثـة أوجـه: أحدها: «كان» تامة، فالمعنى وُجدتم خير أمّة، كأنه قال: أنتم خير أمة في الوجود الآن؛ لأن جميع الأمم غلب عليها الفساد، فلا يعرف فيها المعروف، ولا ينكر فيها المنكر، وليست على الإيمان الصحيح الذي يَزَع أهله عن الشـرّ، ويصرفهم إلى الخير، وأنتم تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله إيمانًا صحيحًا يظهر أثره في العمل.
الوجه الثاني: «كان» ناقصة، والمعنى حينـئذ، كنتم في علم الله، أو كنـتم في الأمم السابقة، كما في كتبها المبشّرة بكم خير أمّة. وقال أبو مسلم: إن هذا القول يقال لمن ابيضّت وجوههم، والمعنى كنتم فيما سبق من أيّام حياتكم خير أمّة، شأنكم كذا وكذا، وبذلك كان لكم هذا الجزاء الحسن. فالكلام عنده تـتمة للآيات السابقة، فكما ذكر فيها ما يقال لمن اسودّت وجوههم، ذكر أيضًا ما يقال لمن ابيضّـت وجوههم.. وقيل غير ذلك.
الوجه الثالث: «كان» بمعنى صار، أي صرتم خير أمّـة. وإذا فسّـرت «كُنتُمْ» بغير ما قاله أبو مسلم - وهو ما أُرجّحه - كانت الجملة شهادة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتـبعه من المؤمنين الصادقين إلى زمن نزولها بأنها خير أمّـة أخرجت للناس بتلـك المزايا الثلاث، ومن اتـبعهم فيها كان له حكمهم لا محالة، ولكن هذه الخيريّـة لا يستحقّـها من ليس لهم من الإسلام واتّـباع النبي صلى الله عليه وسلم إلا الدعوى، وجعل الدّين جنسيّـة لهم، بل لا يستحقّـها من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج البيت الحرام، والتزم الحلال، واجتنب الحرام، مع الإخلاص الذي هو روح الإسلام، إلا بعد القيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبالاعتصام بحبل الله، مع اتـقاء التـفرّق، والخلاف في الدّين! {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}؛ ومن ثم نبصر في مقدمة مقتضيات مكانة خير أمّـة؛ أن تقوم على صيانة الحياة من الشرّ والفساد، وأن تكون لديها القوة التي تمكّـنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي خير أمّـة أخرجت للناس، لا عن مجاملة أو محاباة، ولا عن مصادفة أو جزاف، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. إنه النهوض بتكاليف الأمّـة الخيّـرة، بكل ما وراء هذه التكاليف من متاعب، وبكل ما في طريقها من أشواك، وإنه التعرّض للشرّ، والتحريض على الخير، وصيانة المجتمع من عوامل الفساد، وكل هذا متعب وشاق، ولكنه - كذلك - ضروري لإقامة المجتمع وصيانـته، ولتحقيق الصورة التي يحبّ الله عزّ وجلّ أن تكون عليها الحياة.
ولابد من الإيـمان الصحيـح في حياة الأمّـة ليوضع الـميزان الصحيح للقيم، والتعريف الصحيـح للمعـروف والمنكر، فإن اصطلاح الجماعة وحده لا يكفي، فقد يعم الفساد حتى تضطرب الموازين وتختل، ولابد من الرجوع إلى تصور ثابت للخير والشر، وللفضيلة والرذيلة، وللمعروف والمنكر، يستـند إلى قاعدة أخرى غير اصطلاح الناس في جيل من الأجيال.
وهذا ما يحقّـقه الإيمان في حياة الأمّـة، بإقامة تصور صحيح للوجود وعلاقته بخالقه، وللإنسان وغاية وجوده ومركزه الحقيقي في هذا الكون، ومن هذا التصوّر تنبثـق القواعد الأخلاقيّة، ومن الباعث على إرضاء الله والبعد عما لا يرضاه، ينـدفع الناس لتحقيق هذه القواعد، ومن سلطان الله في الضمائر، وسلطان شريعته في المجتمع تقوم الحراسة على هذه القواعد كذلك.
والله الموفق والمستعان.
وفي هذا المقام يسعنا أن نلقي الضوء على الأمة الخيّـرة التي تشهد على الناس جميعًا، فتـقيم بينهم العدل والقسط، وتضع لهم الموازين والقيم، وتبدي فيهم رأيها، فيكون هو الرأي المعتمد، وتـزن قيمهم وتصوّراتهم وتقاليدهم وشعائرهم، فتفصل في الأمر، وتقول: هذا حق، وهذا باطل.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقرّر لها موازينها وقيمها، ويحكم على أعمالها وتقاليدها، ويزن ما يصدر عنها، ويشهد عليها، ويقول الكلمة الأخيرة.
والتعبير بكلمة «أُخْرِجَتْ» يلفت النظر، وهو يكاد يشي بالقدرة اللطيفة، تُخرج هذه الأمة إخراجًا، وتدفعها إلى الظهور دفعًا من ظلمات الغيب، ومن وراء الستار السرمدي الذي لا يعلم ما وراءه إلا الله تعالى. إنها كلمة تصوّر حركة خفيفة المسرى، لطيفة الدبيب.. حركة تُخرج على مسرح الوجود أمّـةً وسطًا، ذات دور خاص، لها مقام خاص، ولها حساب خاص، وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة الإسلامية، خير الأمم، لتعرف حقيقتها وقيمتها، وتعرف أنها «أُخْرِجَتْ» لتكون طليعة، ولتكون لها القيادة، بما أنها خير أمّة، والله عزّ وجلّ يريد أن تكون القيادة للخير لا للشرّ في هذه الحياة. ومن ثم لا ينبغي لخير أمّـة أن تـتلقّى من غيرها من أمم الأرض قاطبة، وإنما ينبغي دائمًا أن تعطي الأمم الأخرى مما عرفـته من كتاب ربّـها، وسُنّـة نبيّـها؛ من الاعتقاد الصحيح، والتصوّر الصحيح، والنظام الصحيح، والخُلق الصحيح، والعلم الصحيح، هذا واجب خير الأمم، يحتّـمه عليها مكانها القيادي، وتحتّـمه عليها غاية وجودها، كما أن من واجبها أن تكون في الطليعة دائمًا، وفي مركز القيادة دائمًا، ولهذا المركز تبعاته، فهو لا يؤخذ ادعاءً، ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلاً له.
وأمتنا بتصوّرها الاعتقادي، وبنظامها الاجتماعي أهلٌ له، فبقي عليها أن تكون بتـقدّمها العلمي، وبعمارتها للأرض -قيامًا بحق الخلافة- أهلاً له كذلك، وبهذا يتبيّـن أن منهج هذه الأمة يطالبها بالشيء الكثير، ويدفعها إلى السبق في كل مجال، لو أنها تـتبعه وتلـتزم به، وتدرك مقـتضياته وتـكاليفه.
وفي قوله جلّ شأنه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّـةٍ} ثـلاثـة أوجـه: أحدها: «كان» تامة، فالمعنى وُجدتم خير أمّة، كأنه قال: أنتم خير أمة في الوجود الآن؛ لأن جميع الأمم غلب عليها الفساد، فلا يعرف فيها المعروف، ولا ينكر فيها المنكر، وليست على الإيمان الصحيح الذي يَزَع أهله عن الشـرّ، ويصرفهم إلى الخير، وأنتم تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله إيمانًا صحيحًا يظهر أثره في العمل.
الوجه الثاني: «كان» ناقصة، والمعنى حينـئذ، كنتم في علم الله، أو كنـتم في الأمم السابقة، كما في كتبها المبشّرة بكم خير أمّة. وقال أبو مسلم: إن هذا القول يقال لمن ابيضّت وجوههم، والمعنى كنتم فيما سبق من أيّام حياتكم خير أمّة، شأنكم كذا وكذا، وبذلك كان لكم هذا الجزاء الحسن. فالكلام عنده تـتمة للآيات السابقة، فكما ذكر فيها ما يقال لمن اسودّت وجوههم، ذكر أيضًا ما يقال لمن ابيضّـت وجوههم.. وقيل غير ذلك.
الوجه الثالث: «كان» بمعنى صار، أي صرتم خير أمّـة. وإذا فسّـرت «كُنتُمْ» بغير ما قاله أبو مسلم - وهو ما أُرجّحه - كانت الجملة شهادة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتـبعه من المؤمنين الصادقين إلى زمن نزولها بأنها خير أمّـة أخرجت للناس بتلـك المزايا الثلاث، ومن اتـبعهم فيها كان له حكمهم لا محالة، ولكن هذه الخيريّـة لا يستحقّـها من ليس لهم من الإسلام واتّـباع النبي صلى الله عليه وسلم إلا الدعوى، وجعل الدّين جنسيّـة لهم، بل لا يستحقّـها من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج البيت الحرام، والتزم الحلال، واجتنب الحرام، مع الإخلاص الذي هو روح الإسلام، إلا بعد القيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبالاعتصام بحبل الله، مع اتـقاء التـفرّق، والخلاف في الدّين! {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}؛ ومن ثم نبصر في مقدمة مقتضيات مكانة خير أمّـة؛ أن تقوم على صيانة الحياة من الشرّ والفساد، وأن تكون لديها القوة التي تمكّـنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي خير أمّـة أخرجت للناس، لا عن مجاملة أو محاباة، ولا عن مصادفة أو جزاف، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. إنه النهوض بتكاليف الأمّـة الخيّـرة، بكل ما وراء هذه التكاليف من متاعب، وبكل ما في طريقها من أشواك، وإنه التعرّض للشرّ، والتحريض على الخير، وصيانة المجتمع من عوامل الفساد، وكل هذا متعب وشاق، ولكنه - كذلك - ضروري لإقامة المجتمع وصيانـته، ولتحقيق الصورة التي يحبّ الله عزّ وجلّ أن تكون عليها الحياة.
ولابد من الإيـمان الصحيـح في حياة الأمّـة ليوضع الـميزان الصحيح للقيم، والتعريف الصحيـح للمعـروف والمنكر، فإن اصطلاح الجماعة وحده لا يكفي، فقد يعم الفساد حتى تضطرب الموازين وتختل، ولابد من الرجوع إلى تصور ثابت للخير والشر، وللفضيلة والرذيلة، وللمعروف والمنكر، يستـند إلى قاعدة أخرى غير اصطلاح الناس في جيل من الأجيال.
وهذا ما يحقّـقه الإيمان في حياة الأمّـة، بإقامة تصور صحيح للوجود وعلاقته بخالقه، وللإنسان وغاية وجوده ومركزه الحقيقي في هذا الكون، ومن هذا التصوّر تنبثـق القواعد الأخلاقيّة، ومن الباعث على إرضاء الله والبعد عما لا يرضاه، ينـدفع الناس لتحقيق هذه القواعد، ومن سلطان الله في الضمائر، وسلطان شريعته في المجتمع تقوم الحراسة على هذه القواعد كذلك.
والله الموفق والمستعان.
No comments:
Post a Comment