Thursday, August 1, 2013

بظلامه أقبل علينا التناقض

التناقضُ بين الأقوالِ والأفعال مسألةٌ مؤرقة فعلاً، يلاحظ المرء ذلك في المجتمعِ الذي يحتضنه، لم يسلم من هذا الوباءِ الصغارُ، فشملهم وشمل الكبارَ، وحتى الشيوخ ومَن قاربوا الوفاة، هناك فئام من النَّاسِ أقوالهم وأفعالهم سواء، بل بعضُهم لا يقول حتى يفعل، وآخرون منهم يفعلون فقط، وهؤلاء نفرٌ قليلون.

تضاربُ الأقوالِ والأفعال أفقدَ النَّاسَ الثقة في بعضِهم وفي المؤسسات، فأضحى الأصل هو الكذب، والفرع هو الصدق، والصدوق في مجتمعِ الكذابين غريبٌ شاذ.

تلجأ طوائفُ من الخرَّاصين في زماننا إلى لعبةِ الألفاظ واللف والدوران، وهناك مدارس غير رسمية وغير مصرَّح بها تعلِّمُ النَّاسَ أساليبَ المراوغة الكلامية، ليتملَّصوا من الواجباتِ والحقوق التي ناضلوا ليدافعوا عنها، وينجحون في مراوغةِ القوم منطلقين إلى المرمى للتسجيل، وسجلوا أهدافًا كبيرة ومشاريعَ عظيمة، ولما طال الأمَدُ بالقومِ أدركوا اللعبةَ وفهموا الخطة، فضربوا صفحًا عن الأقوال، وانطلقوا مهرولين ناظرين إلى الأعمال، فلم يجدوا إلاَّ الهباء المنثور وأجزاء من القشور، وبقايا ما التهمه الذِّئاب، وقنينة اختلف النَّاسُ فيها، وكان بأسهم بينهم شديدًا.

ومما أسفرت عنه أساليبُ اللَّف والدوران فقدان الثقة، ومن الصعبِ استرجاعها وبثها من جديد، وأنت تعرف أنَّ إنباتها يستغرقُ من الوقت كذا وكذا.

لا يُنْظر في ظلِّ سيادة فقدان الثقة إلى الأعمالِ المفيدة والإنجازات الجليلة نظرةَ تقديرٍ وتثمين، بل نظرة تكذيبٍ وتأويل فاسد.

حاول المهتمون محاولاتِ إرجاعِ المياه إلى مجاريها، فباءت محاولاتُهم بالفشلِ الذريع؛ لأنَّ الميدانَ لم يجسد الأقوال، ولأنَّ الثقةَ فقدت، ولأنَّ الأخلاقَ فسدت.

مما أراه أسبابًا للتناقضِ بين الأقوال والأفعال:
الأقوال نظرية غير ملموسة، والأفعال مادية ملموسة، فكانت صعبة.
الأقوال تندفعُ من الفمِ عذبةً سهلة، والأفعالُ تحتاجُ لجهدٍ وقوة.
الأقوال تشبه التنظيرات والتخطيطات، والأفعالُ تنفيذات وتطبيقات.
الأقوال من النَّاحيةِ الجغرافية منخفضات، والأفعال مرتفعات، وهبوطُ المنخفضاتِ سهل، وصعود المرتفعات عسير وشاق.

أزمةُ تناقضِ الأقوال والأفعال ليست هينة، وعواقبها وخيمة فاسدة، فالمبادرة المبادرة إلى إصلاحِ ما فسد، لإرجاعِ الثقة، ليس المهم التصريح في الأوراقِ واللقاءات ورفعِ الشعارات أو البكاء على الماضي وتقويم الغبار، فهذا كلُّه لن يكرس إلا للموجود والسائد، ولن يزيدَ طين الأزمةِ إلا بلة وعلة وأدواء، ووقتئذ يعسر الدواء.

No comments:

Post a Comment