في القرية الواقعة على اطراف المكان ..قبع صاحبنا خلف كومة من أكياس التبن، التي صفها فوق بعضها البعض ماداً فوقها الحبل الموثوق بقفص المصيدة ،الذي علقه فوق باب القن ، استعداداً لإسقاطه فوق جسد عدوه اللدود ،عدو دجاجاته المسالمات..الذي بات يغزو القن كل ليلة ليسرق ويثير الفزع والرعب.
مضى وقت طويل لم يستطع فيه صاحبنا، الإمساك بذلك الثعلب الصغير الحجم السريع، المكنى "أبو الحصيني "..الذي تطورت مهاراته وكثر أعوانه ، الذين استدلوا على مكان الدجاجات، وباتوا يهاجمون القن جماعات وفرادى، يقلقون راحة سكان المزرعة الذين اعتادوا شكل ومهارات "أبو الحصيني " حتى أنهم يميزونه من بين عشرات الثعالب التي كانت تبحث عن فرصة للنهب والسرقة التي كانت تنتهي بإتلاف القن وخسارة عدد من الدجاجات .
صاحبنا وعد سكان المزرعة اكثر من مره، بأنه سيقبض على ذلك اللص الملعون، الذي يختار الظلام لتنفيذ مخططاته الإستيلائية .زاعماً انه لن يفلت منه بعد الآن، وقد بدأت علامات التذمر الاستنكار والرفض تظهر على سكان المزرعة، واعداً اياهم أن يستعيد ثقتهم ،متفهماً لشكواهم وتذمرهم في تباطئه في إدارة المزرعة وحمايتها، وانه سيقبض عليه حيا يرزق ويعلقه على باب المزرعة من ذيله الموشح الذي لا يخفى على احد.
خلف أكياس التبن جلس صاحبنا يرقب حضور "أبو الحصيني "..وأثناء غفوته استيقظ على صوت الدجاجات، وهروبهن من قبضة "أبو الحصيني" السريعة والخاطفة ..وأثناء خروجه من القن افلت صاحبنا الحبل ليسقط القفص فوقه. مجبراً اياه من هول اللحظة على ترك الدجاجة التعسة من فهمه وهو يحاول التسلق منفلتاً..لكن دون فائدة .
عمت الأفراح والليالي الملاح أرجاء المزرعة احتفالا بالقبض على سارق الدجاجات ،مثير الشغب، وعلى مرئي من الجميع قبض صاحبنا على "أبو الحصيني "..جاراً إياه من ذيله الموشح..يريد ربطه بأعلى باب المزرعة..و"أبو الحصيني "لم يتوقف عن محاولات الهرب والتملص التي تشتد كلما اقترب صاحبنا من باب المزرعة ،وخوفاً من انفلاته شد صاحبنا قبضته على ذيله ..وفي خضم الصراع بين شد وسحب، انفلت "أبو الحصيني" من قبضة صاحبنان مخلفاً ذيله الموشح في يده ، تاركاً خلفه حالة ، اندهاش واستنكار انتشرت في المكان ،أخرجت صاحبنا من صوابه ،ملوحاً بالذيل متوعداً إياه بالقتل والتقطيع في المرة القادمة !
على أطراف الغابة جلس "أبو الحصيني " في جحره يداوي جرح ذيله المنزوع ..ويفكر بحالته الاستثنائية التي أوقع نفسه فيها، والتي جعلته معروفاً، من السهل التعرف عليه في هذا الحال.
ألم الذيل المنزوع كان دافعاً قوياً لامعان التفكير في المرحلة القادمة من حياته، التي أصبح فيها مكشوفاً ومميزاً من صاحب المزرعة وساكنيها ...وما أن شفي جرحه ،حتى خرج إلى الغابة متسلقاً شجرةً عاليه ،منادياً على عشيرته وأقربائه من فصيلة الثعالب الصغيرة التي اجتمعت حوله تنتظر أن يفصح عن حاجته قائلاً: يا معشر الثعالب الصغيرة ..لقد تعلمت في سفري لعبة جديدة، فيها الكثير من الفرح والمتعة ،ولن يهدأ لي بال حتى نمارسها معاًن لجمالها ولنتائجها الايجابية على حياتنا، خاصةً، في الهجوم على قن الدجاجات ..ما رأيكم أن نلعبها سوياً؟؟
انطلقت صرخات الترحيب والتأييد ،والحلم بذلك القن الممتلئ بالدجاجات السمان
جلس "أبو الحصيني" على مؤخرته مخفياً ذيله المنزوع ..مستعداً لشرح اللعبة قائلا: ليوثق كل اثنين منكما ذيله بالآخر وكلما شددتم الوثاق، كانت متعة اللعبة اكثر وبما أنني صاحب فكرة اللعبة ..فسأبقى في مكاني لأراقب مجريات اللعبة، وأكون حكماً عادلاً عليكم...هيا يا أصدقائي.. لنبدأ لعبتنا الممتعة !
من علياء شجرته راقب الثعالب وهي تشد وثاق ذيولها بعضها ببعض . مطمئناً تماماً انصياع الجميع لتعليماته، وانهم أجادوا تنفيذ التعليمات الربط والشد بإحكام بعدها خيم الصمت على المكان في انتظار تعليمات المرحلة التالية من اللعبة، ومن عمق الصمت عوى " أبو الحصيني" بأعلى صوت: يا صاحب القن ..يا صاحب القن ..تعال وامسك عدوك ..تعال واقبض عليه ..يا صاحب القن ...يا صاحب القن !!
أنتشرت الفوضى والارتباك بين صفوف الثعالب ،التي تحاول الهرب والتملص من وثاقها تاركةً ذيولها الموثقة خلفها وهي تحاول الابتعاد فزعةً مرعوبةً..وقد تشابهت كل الثعالب بالثعلب " أبو الحصيني" الماكر .
"أبو الحصيني" لا يزال مطلوباً ليقف أمام دعاوي الحق التي رفعها قطيع الثعالب ضده في الغابة القريبة، بدعوى تعرضهم الكثيف والمستمر للقتل والتصفية، من قبل صاحبنا الذي لم يعد يفرق بين الثعالب وقد تشابهت عليه .معتقداً انه يمسك بذيل السارق، الدليل على مكر وخبث "أبو الحصيني" معلقاً إياه، راية حرب وصراع فوق باب مزرعته، معلناً استمرار حملته الشعواء مهما طال الزمن..
أجيال من الثعالب الصغيرة ظهرت ، لا تزال تشن هجماتها بتكتيكات حديثة وجديدة..ولدت بذيول جديدة احتمت خلف غطاء صراع صاحبنا مع " أبو الحصيني" القديم ،تحتاج إلى عهود اكتشاف وتمييز ..لضمان أمن القن .جيلا بعد جيل. !
بقلم سهام البيايضة
No comments:
Post a Comment